بدأ التحضير الجدي لعقد مؤتمر صهيوني مع مطلع سنة 1897، وكان مقرراً عقده في ميونخ بألمانيا، لكن عندما أرسلت الدعوات الرسمية غضب اليهود الغربيون وأعلنوا سخطهم على المؤتمر، واعتبرته الصحافة الألمانية اليهودية خيانة، كما رفضت رابطة رجال الدين اليهود في ألمانيا هذا المؤتمر بشدة.
أدت هذه الحملة إلى نقل مكان المؤتمر إلى بازل في سويسرا، وانصرف هيرتزل إلى مراسلة زعماء اليهود قاطبة، يحثهم على انتخاب النخبة البارزة بينهم.
عقد المؤتمر أخيراً في بازل (29ـ31 آب 1897)، وحضره 204 أعضاء من اليهود، يمثلون 15 دولة، وترأس هيرتزل المؤتمر.
وضع المؤتمر ما عرف فيما بعد باسم "برنامج بازل" الصهيوني، والقرار الأساسي الذي اتخذه المؤتمر هو: "إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام".
وحدد المؤتمر الوسائل الكفيلة لتحقيق هذه الغاية بما يلي:
1ـ تعزيز الاستيطان في فلسطين باليهود المزارعين، والحرفيين، والمهنيين، وبناء على قواعد صالحة.
2ـ تنظيم اليهود كافة، وتوحيدهم بواسطة إنشاء المؤسسات المحلية والعامة الملائمة، وفقاً للقوانين السارية في كل بلد.
3ـ تقوية الشعور اليهودي القومي والضمير القومي.
4ـ إتخاذ الخطوات التحضيرية للحصول على موافقة الحكومات، التي يجب الحصول عليها، لتحقيق هدف الصهيونية.
ومن الناحية التنفيذية، أسس المؤتمر "المنظمة الصهيونية العالمية"، وانتخب هيرتزل رئيساً للمنظمة الصهيونية، وتم إقرار النظام الداخلي للمنظمة وهيكلها التنظيمي وشروط العضوية، فمنح حق العضوية لكل يهودي في العالم يلتزم ببرنامج بازل، ويدفع اشتراكاً سنوياً يسمى "شيقل" ـ وهو وحدة العملة التي كان يتداولها العبرانيون القدامي -. وللمنظمة رئيس ولجنة تنفيذية ومجلس عام يتمتع بصلاحياته المؤتمر ما بين دورات انعقاده. كما أقر المؤتمر شكل العلم الصهيوني (ترس داود) ونشيداً قومياً.
وجدير بالذكر أن مؤتمر بازل قد تعمد أن يستعمل في قراره الرئيس تعبير "وطن"
(hermstaeete) أو (Home) لأسباب دبلوماسية، بينما كان القصد الحقيقي للمؤتمر منذ البداية هو "دولة يهودية". وقد أكد هيرتزل نفسه هذه الحقيقة في مذكراته بقوله : " لو أردت أن ألخص مؤتمر بازل بكلمة واحدة ـ وهي كلمة سأحرص على ألا أتلفظ بها علناً ـ لقلت : " في مؤتمر بازل أرسيت أسس الدولة اليهودية".
كان مؤتمر بازل انعطافاً أساسياً في تاريخ الحركة الصهيونية، ولكنه ـ على الرغم من ذلك ـ مجرد خطوة على طريق طويل، وهكذا توجهت الحركة الصهيونية، بعد ذلك المؤتمر، للعمل على جبهتين بوقت واحد: الجبهة الداخلية بهدف استكمال تنظيماتها وكسب ولاء اليهودية العالمية، والجبهة الخارجية بهدف كسب تأييد حركة الاستعمار الأوروبي العالمي.